صورة تمنحك ألف صوت : حاجة الناس في مناطق النزاع لرواية قصصهم
تتجلى قوة الصورة الواحدة في قدرتها على منح أصحابها صوتاً مسموعاً. فالصور تتخطى حواجز اللغة والثقافة، وتنقل معاناة الناس في مناطق الصراع بطريقة لا تستطيع الكلمات وحدها نقلها. كذلك الصورة بدون سياق وقصة تروي خلفيتها يظل تأثيرها ناقصاً ..
هناك حاجة ماسة لرواية القصص لكيلا يكون ضحايا النزاعات مجرد ارقام و احصائيات . في السنوات الأخيرة، شهد العالم تصاعدًا ملحوظًا في أهمية رواية القصص (Storytelling) ، ليس فقط في الإعلام، بل في مجالات متعددة مثل التسويق، التعليم، والسياسة. يعود ذلك إلى حاجة الإنسان الفطرية لفهم العالم من خلال القصص. وفي عالم يعج بالمعلومات، تبرز القصص القوية كأداة قادرة على التأثير، إحداث التغيير، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي ولكن هل لكل تخصص جمهوره المستهدف.
معتز عزايزة… بالصورة جعل الناس تقف

ما حدث في قمة قطر للويب ٢٠٢٥ المتخصص في الحدث التكنولوجي الأبرز عند رؤية الجماهير الغفير واقفة على اقدامها بسبب امتلاء المسرح تسمع صوت معتز يقول ” انا هنا اليوم لست بصفتي مصور صحفي بل كشاهد وناجي من حرب الإبادة التي تشهدها غزة .. على الرغم من كل ما تشاهدونه وتسمعونه في وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الإ انكم هنا تودون سماع المزيد “
تفاعل معتز مع الناس في الشوارع ويحاورهم قبل التقاط الصور هو ما ساعده على فهم قصصهم وجعل تأثيرها العاطفي بهذه القوة تركيزه على المشاعر حتى و إن كانت في غير سياقها مثل لحظات الفرح النادرة في الأوضاع الصعبة هو ما جعل صورة لها صوت مسموع وجذب المشاهد للقصص التي يرويها عبر عدسته .
وفي مشهد يكاد يُلخّص أهمية رواية القصة، وقف الناس في واحدة من أكبر الفعاليات التقنية والإعلامية في العالم — يستمعون بصمت إلى الصحفي الفلسطيني لا مؤثرات بصرية، لا خلفيات درامية، فقط صوته وصورٌ التقطها من قلب غزة. ومع ذلك، شدّ الجمهور حتى آخر لحظة، لأن الصورة كانت تحكي، وكان هو يترجمها بصدق الإنسان لا بخطابة الإعلام. ليس مرة بل مرتين وهي مشاركاته في هذه القمة. وكلا المرتين جمهور مهول وتفاعل رائع .
لكن ما الذي يحدث عندما نُقصي المجتمعات المتأثرة بالنزاعات من حقها في السرد؟ عندما يُحكى عنها دونها؟
هذا ما يدعو له السرد القصصي.. لرواية القصص من قلب الحدث من وجهة نظر من عاشوه كيف يشعر الطفل الذي فقد ذويه وكيف يبني الاب منزله بعد حطامه وموت افراده ..
إن تمكين المجتمعات المتأثرة بالنزاعات من رواية قصصها، سواء عبر الصورة أو الفيديو أو الصوت، ليس رفاهية إعلامية، بل هو حق. هو استعادة للكرامة، وإعادة رسم للذاكرة الجمعية للعالم بطريقة أكثر صدقًا وإنسانية. وكما يشير باحثون في مجال الإعلام والنزاعات إلى أن الصورة “تلعب دورًا مضاعفًا في سياقات الحرب: فهي من جهة توثيق للحظة، ومن جهة أخرى شهادة سردية تتحدى الرواية الرسمية“
سماح… تروي كي لا تُنسى الحكاية
تروي سماح قصتها لأنها تمثل صوتًا من بين آلاف الأصوات التي عايشت فظائع الحرب على غزة. ما عاشته من فقدٍ ونزوحٍ وحرمان، وفقدان عائلتها في قصف مباشر دون إنذار، يجعلها تشعر بمسؤولية إيصال الحقيقة للعالم، وكشف زيف الرواية التي تبرر استهداف المدنيين. ترى أن رواية قصتها ليست مجرد بوح شخصي، بل شهادة إنسانية تهدف لإيقاظ الضمير العالمي.
“انا واحدة من آلاف الأصوات التي أنهكتها الحرب في غزة. قصتي ليست استثناء، لكنها مرآة لمعاناة مستمرة لم يرها العالم كما يجب. أرويها لأن بيتنا قُصف ونحن فيه، دون أي تحذير، فاستُشهد من عائلتي ٥١ شخصًا، ولم ينجُ سوى أخي وابنه بعد يومين تحت الأنقاض. أرويها لأنني لا أريد أن تبقى الحقيقة حبيسة الركام.
من حقي، ومن حق كل مَن فقدوا أحبابهم، أن تُروى قصصنا بصوتنا، لا بتقارير رسمية مشوهة.“
وعند سؤالها ما التغيير الذي تتمناه من خلال روايتها؟
“كل ما أريده أن يُنظر إلينا كبشر. نحن لسنا أرقامًا في نشرات الأخبار. نحن أمهات وآباء وأطفال نحب بيوتنا ونحلم بمستقبل آمن. أرجو أن تُعيد قصتي للناس إنسانيتهم، أن يتذكروا أن الوطن لا يُبنى إلا بالناس، ولا قيمة له دون قلوب تنبض فيه.
كنت دائماً اشعر بتهميش قصتي وان كل ما عشته كان غائبًا عن السرد العام، وكأننا نعيش في ظل لا يُرى. كل تفاصيل قصتي مؤلمة، من لحظة القصف، إلى سؤال صغيرتي البريئة: “ماذا فعلنا لهم حتى يقصفوا بيتنا الجميل؟ لا أريد أن أموت.”
وتسائلنا ايضاً هل الصور كافية فقالت ” لا أحد ينكر دور الصورة الصحفية، فهي أداة قوية لتوثيق ما يحدث. بعض الصور لامستني كما لو كانت تلتقط وجعي أنا. أتذكر صورة الطفلة التي استشهدت بعدما سقطت في قدر الطعام… كانت ذاهبة لتأكل فماتت قبل أن تصل. تمامًا كما كانت صغيرتي آمال تخرج لتجلب الطعام بينما والدها ينتظر الماء.
لكن الصور وحدها لا تكفي الصورة مهمة، لكنها لا تقول كل شيء. وراء كل صورة هناك قصة طويلة، بكاء، قهر، ألم لا يُرى. الصورة لا تنقل أكثر من ٤٠٪ من الحقيقة. خصوصاً مع هذا الإعلام المسيّس، كل منصة تروي ما يناسب أجندتها. من عاش الحرب يدرك أن الصورة الإعلامية منقوصة. نحتاج لمساحة حقيقية لسرد رواياتنا، نحن الذين كنا هناك.
صورة لا تفارق خيالي …
بلال خالد المصور الصحفي والفنان الذي يدرك تماماً قوة الصورة في إيصال صوت الضحايا يروي لنا قصة صورة لا يمكن ان تكتمل أركانها بدون سماعها … الصورة التي لا ينساها ..
ختاماً ..
هذه قصص من ملايين القصص .. لكن لماذا الضحايا هم الاحق بالمنابر ؟ لأنهم الأدرى بتفاصيل الألم، والأكثر تمسكًا بالذاكرة، والأقدر على أن يحوّلوا معاناتهم إلى شهادة، ونداء، وربما بداية تغيير.، الصوت و الصورة في هذه السياقات، ليست فقط أداة توثيق، بل شكل من أشكال العدالة، ومنبر لمن لا منبر له، وحياة تُعاد سردها كي لا تموت بصمت.
قد لا تكفي الصورة ولكنها بداية لتسمع القصة من ورائها ..